آل النصولي

أسرة علماء ووجهاء.. وأصالة في النسب.. وجرأة

في السياسة والصحافة.. وانتماء لبيروت المحروسة

 

أسرة النصولي في بيروت المحروسة من الأسر البيروتية الأصيلة، تعود بجذورها إلى القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية، لا سيما إلى قبيلة الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب (دضي الله عنه)، لذلك، كتب على قبور علمائهم في العهد العثماني عبارة «النصولي العمري». لا سيما في جبانة الباشوراء. وقد أسهمت الأسرة في فتوحات مصر وبلاد الشام والمغرب والأندلس، لهذا، انتشر أفراد الأسرة في بيروت المحروسة ومختلف المناطق العربية والإسلامية. وأشارت وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة، ومن بينها السجل (1259هـ) ص (71) إلى توطن أسرة النصولي في باطن بيروت، ومن هؤلاء السيد الشيخ عبد المنعم النصولي، وهو أحد علماء بيروت المحروسة، كما برز من علماء الأسرة الشيخ عبد الهادي النصولي، والشيخ طه النصولي عضو مؤسس لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت عام 1878 وهو ابن الشيخ عبد الهادي النصولي ابن الشيخ عبد المنعم النصولي. كما برز في العهد العثماني السيد عبد الرحمن النصولي أحد وجوه بيروت البارزة.

في القرن العشرين برز العديد من أسرة النصولي في مقدمتهم السادة: محيي الدين النصولي (1898-1961) ابن الوجيه البيروتي الحاج زكريا النصولي، كما برز أولاده من زوجته السيدة نور عبد الحميد غندور السادة: المحامي زكريا، مروان نائب حاكم البنك المركزي في لبنان، أحمد خلدون، كما برز الوجيه البيروتي أنيس زكريا النصولي وأبناه محمد أنيس عضو مؤسس لاتحاد جمعيات العائلات البيروتية، وبشر أنيس، وبلال النصولي مدير الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، ويعتبر المفكر والمؤرخ أنيس النصولي من أهم المفكرين البيارتة واللبنانيين، وهو من بين البيارتة الذين اهتموا بأمتهم وبتاريخها، وبحاضرها ومستقبلها، وله العديد من المؤلفات الهادفة منها على سبيل المثال:

1- الإمام الأوزاعي.

2- معاوية بن أبي سفيان.

3- الدولة الأموية في الشام.

4- الدولة الأموية في قرطبة.

5- عشت وشاهدت.

6- أسباب النهضة العربية في القرن التاسع عشر.

وكان أنيس زكريا النصولي من النهضويين، ومن الذين آمنوا بالعلم والتعليم، وقد تولى رئاسة لجنة المدارس في جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، وأسهم إسهاماً بارزاً في نهضة وتطور التعليم في مدارس المقاصد. كما برز من أسرة النصولي السيد وفيق النصولي عضو جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت. وعرف من الأسرة السيد عبد الودود النصولي عضو اتحاد جمعيات العائلات البيروتية، ورئيس جمعية آل النصولي، ورئيس جمعية مستوردي الأدوات المنزلية في لبنان، ورئيس جمعية رأس النبع الاجتماعية. كما عرف من الأسرة الطبيب الدكتور عفيف النصولي، والدكتور طارق النصولي، والمدير العام الأسبق لوزارة الاقتصاد مصطفى النصولي. كما برز السيد هاني النصولي، والسيد باسم النصولي وسواهم الكثير. وقد حرصت بلدية بيروت المحروسة على تسمية عدة شوارع بأسماء بعض أفراد الأسرة منها شارع محيي الدين النصولي، وشارع زكريا النصولي.

ونظراً لدور محيي الدين النصولي (1898-1961) في السياسة والصحافة، وفي الميادين الوطنية والقومية، فإننا سنحي ذكراه من خلال دراسة مختصره لسيرته الذاتية، وبعض أعماله السياسية والفكرية والصحافية. فهو من مواليد بيروت المحروسة عام 1898، تلقى علومه الابتدائية في مدرسة جامع عين المريسة، وتابعها في مدرسة الفرير، ومدرسة دار العلوم في بيروت ليتمم دراسته الثانوية. دخل الجامعة الأميركية في بيروت وتخرج منها سنة 1921 حائزاً شهادة M.A في الاقتصاد والتربية، وكان عنوان أطروحته «الاشتراكية هي المملكة الآتية».

انصرف في مطلع حياته إلى تعاطي التجارة في متجر أبيه في «سوق الجوخ»، بعد قرار الجنرال غورو طرده من الجامعة الأميركية بسبب موقفه القومي ومعاداته الانتداب الفرنسي. ووجد في الكشفية منفذاً لطموحه فشارك في نهضة الحركة الكشفية وبلغ معها شأناً رفيعاً فتولى رئاسة الكشاف المسلم عدة سنوات. كما أسس «حزب النجادة» عام 1936 و»جريدة بيروت» واتخذ منها منبراً للتعبير عن قناعاته الوطنية والقومية، متخذاً لها شعار «العروبة فوق الجميع» فكانت في صدارة الصحف المرموقة آنذاك، ومساعداً في انتخابه نقيباً للصحافة سنة 1944. وقد هاجم من خلالها بعض السياسيين البيارتة.

عين نائباً عن بيروت سنة 1937، وانتخب عضواً في لجنتي المالية والتجارة والزراعة. ومنذ أن عين نائباً، أعلن الولاء للجمهورية اللبنانية، بالرغم من أنه كان وحدوياً مطالباً بالوحدة السورية. وكان هذا التحول قد أصاب الكثير من البيارتة واللبنانيين المسلمين، لا سيما بعد تحول السوريين أنفسهم عن الوحدة السورية. وكتب مقالات عدة في هذا الصدد.

كما عُين وزيراً للعدلية، والأنباء، في نيسان سنة 1953، في حكومة الرئيس صائب سلام.

ثم عُين وزيراً للمالية، والأنباء، في أيلول سنة 1954، في حكومة الرئيس سامي الصلح.

كما عُين وزيراً للداخلية، والأنباء، في تموز سنة 1955، في حكومة الرئيس سامي الصلح، ثم أسندت إليه وزارة المالية في أيلول سنة 1955، بعد استقالة بيار إده منها.

له نشاط واسع ومقالات عديدة في نصرة القضية الفلسطينية، وله أيضاً محاضرات في الندوة اللبنانية منها «البلاد بين الصحافة والحكومة والمجلس» و»من وحي مقترحات برنادوت» و»من وحي الاستفتاء الانتخابي» و»رسالة لبنان في الشرق الأدنى العربي»، وله أيضاً عشرات الافتتاحيات في «جريدة بيروت» التي توقف عن إصدارها سنة 1957.

وكان في عام 1927 قد أسس مع بعض أصدقائه «مجلة الكشاف»، كما نشر أحاديثه في «راديو الشرق»، وأحدثت مقالاته الثورية في صحيفة «بيروت» العديد من القضايا والمشكلات اللبنانية نظراً لجرأته وانخراطه في السياسة، كما أكد صديقه الأستاذ محمد النقاش. ونظراً لمقالاته الجريئة، فقد منعت صحيفة «بيروت» من الدخول إلى سوريا وفلسطين، كما تم تعطيلها من قبل السلطات الفرنسية واللبنانية أكثر من اثنتي عشرة مرة.

بعد توقف جريدته واجه عدوين وهما: إفراطه في التدخين، ومرض السكري الذي أفقده البصر، فكان النذير بالأجل المحتوم.

 

يحمل عدة أوسمة منها:

1- الوسام اللبناني من رتبة ضابط.

2- وسام الرافدين.

3- الوسام الأردني.

4- الوشاح الإيطالي (شوفاليه).

توفي في بيروت في 8 تشرين الأول سنة 1961. أطلقت بلدية بيروت اسمه على أحد شوارع بيروت بين منطقتي عين التينة والأونيسكو.

ومن الأهمية بمكان القول، بأن آراء محيي الدين النصولي التي نشرها سواء في صحيفته «بيروت» أو في سواها من المنتديات الفكرية والثقافية قد أحدثت نتائج مهمة، ومؤثرات فكرية وسياسية واجتماعية وتربوية واقتصادية وبلدية وبيئية وإصلاحية وسواها. وسنحاول دراسة تلك الأفكار والنتائج من خلال بعض تلك المقالات، منها على سبيل المثال:

1- أنسفوا برامج التعليم! مدارسنا لا تحضر رجالاً (صحيفة بيروت، 11 أيلول 1936):

ألوف من الشباب النضر تتألب على بيروت لتنهل فيها العلم، وتتذوق في معاهدها الكثيرة المعرفة ولتأخذ هذه الثقافة العالمية التي أصبحت شطراً من بيروت وجزءاً من كيانها الروحي وتراثها الاجتماعي.

نحن نفرح بمشاهدة الطلاب يزدحمون في المعاهد العلمية ونصفق لهذا الازدحام ولكننا نقف قليلاً لنفكر في مستقبلهم كأفراد وكجماعات.

لقد وضعوا برامج لهذه البلاد ولكنهم لم يحددوا غاية لهذه البرامج، فتهافت الطلاب عليها يلتهمون موادها، ونشأت مزاحمة شديدة وفي كثير من الأحيان غير شريفة بين المدارس في تطبيق هذه البرامج وطفقت كل مدرسة تعلن عن عدد الناجحين من تلامذتها في الامتحانات الرسمية في نهاية كل عام حتى صار يقاس نجاح المدرسة بعدد طلابها في هذه الامتحانات، وحتى خيّل لكل أب أن البكالوريا هي القمّة التي يجب أن يصل إليها ولده وما من أحد من الآباء فكر فيما وراء هذه القمة.

برامج أحكموا وضعها ودرسوا نواحيها وعرف البعض من واضعيها أن هذه البرامج لا تخلق رجالاً وطنيين، بل تخلق أمماً وشعوباً في بقعة صغيرة من الأرض، وتخلق جماعة لكل منها هدف خاص ولون خاص وأسرفوا في تشجيع هذه البرامج حتى أن باب التوظيف سد في وجه من لا يحمل الشهادات الرسمية مهما علا كعبه في العلم، ومهما كان فهّامة عصره وعبقري زمانه.

إن هذه البرامج هي دسيسة شنعاء على البلاد تزيد بلبلتها وتعرقل سيرها إلى الاستقلال والحرية وخصوصاً أن لا رقيب على تطبيقها فهنالك الإنكليزي والفرنسي والإيطالي يطبقها على هواه وحسب مشتهاه، فتمسخ هذه البرامج وتقذف إلى البلاد بأقزام في تفكيرهم وفي علمهم وفي عملهم وفي أهدافهم.

لا نحب أن نلوم أحداً ولا أن نسيء الظن بأحد ولكننا نطلب اليوم ونحن على عتبة الاستقلال والحرية أن يعاد النظر في البرامج التي تتمشى عليها المدارس، وأن تستلم الحكومة التعليم وأن تسيطر عليه كل السيطرة وتقبض على زمامه بيد من حديد. ليس الذنب ذنب الأبناء ولكنه ذنب البرامج حتى لا نقول ذنب الذين وضعوا هذه البرامج. فيجب إذاً أن ننظر فيها وأن نقلبها رأساً على عقب وأن نجعلها تلائم وطننا ومحيطنا وأهدافنا التي نرمي إليها.

أين الرجولة التي يجب أن تخلقها الثقافة؟ أين الاعتماد على النفس؟ أين المنظم الذي يفدى كل شيء في سبيل وطنه؟ أين الشباب المعتز بكرامته العربية المؤمن بالعروبة؟ أين الشباب الناجح في هذه الحياة؟

انسفوا هذه البرامج واشرفوا على التعليم وامسكوا زمامه بيد من حديد إذا أردتم أن تخلقوا وطناً وأن تنشئوا أمة!

2- مستوى الأخلاق في دواوين الحكومة، فهل تنقذ الوزارة الموظفين من نكبات المرابين (صحيفة بيروت، 11 آب 1938):

كتبنا أكثر من مرة عن الموظف وقلنا أنه مرآة الدولة، وأنه من الواجب أن نوفر له حياة طيبة وعيشاً رغداً إذا أردنا أن نحترم أنفسنا وأن تدور الآلة الحكومية بانتظام ودقة.

وإذا نحن كتبنا عن الموظف ووقفنا منه هذا الموقف، فإننا كنا مسوقين بدافع الواجب الوطني وإذا شعر المسؤولون أنه من اللازم أن يمدوا له يد المعونة وأن يزيدوا راتبه بعد هبوط النقد فإنهم كانوا مسوقين بالدافع نفسه أيضاً.

ولكننا إذا قمنا نحن بالواجب نحوه وشاركنا المسؤولون بذلك، فإننا كنا ننتظر منه أن يقوم بواجبه نحو بلاده فيؤدي رسالته حق التأدية ويكون مثال الوطني الصادق الذي يقدر عمله ويحافظ على النظام ويحمي القانون من أن تعبث به الأيدي ويخدم مواطنيه بصدق وأمانة فلا يفرق بينهم ولا يماري بل يشعر أنه لجميع الناس على السواء فيكون القدوة الحسنة في جميع أحواله فلا يعتدي على الآخرين ولا ينال من كراماتهم ولا يسيء إلى سمعة البلاد بما يأتيه من أعمال مريبة وتصرفات شائنة.

نخن لا ننكر أنه قام كثير من الموظفين بواجباتهم وقدروا التبعات الملقاة على عواتقهم قادوا رسالاتهم حق التأدية فلا تراهم في مواطن الريبة ولا تجدهم أعداء لسمعتهم وسمعة الدولة، ولا ننكر أيضاً أن هنالك فريقاً آخر نسي واجباته وذهل عن أنه ممثل للحكومة فتراه يأتي المنكر ويتباهى أنه يسهر ويقامر ويبدد راتبه في بضعة أيام ثم يلجأ إلى الاستدانة فيستدين على راتبه بفائدة فاحشة ولا يجد نفسه بعد بضعة أشهر إلا وقد وقع بين براثن هؤلاء المرابين الذين لا يتورعون عن سرقته وحجز راتبه فيستهون الاستدانة من هذا وذاك، ويكثر الحجز على راتبه. ولما كان الحجز محدداً فإنه لا يتورع عن التورط في الدين إلى أن يبلغ مئات وربما ألوف الليرات.

نحن نعرف الشيء الكثير عن هذه الحالة السيئة التي يتخبط بها فريق كبير من الموظفين ونعرف أن هنالك بعض كبار الموظفين ذهبوا ضحية شهواتهم. فلماذا لا يتخذ المسؤولون الوسائل الناجعة لوضع حد لهذه الميوعة في أخلاق الموظفين وهم الذين ينتظر منهم أن يكونوا قدوة حسنة للناس؟

لماذا لا ترسل الحكومة إلى الندوة بمشروع قانون يؤدب هذا النوع من الموظفين أو ينزل بهم العقوبات التي يجوز أن تنتهي بالإقالة.

لقد سمعنا أن الحكومة تفكر في هذا الموضوع الهام الذي يتناول المستوى الأخلاقي عند كثير من الموظفين، فلماذا لا تسرع في هذا القانون وتنقذ هيبتها ومصير الموظفين من هذا التيار الذي يجتاحهم فلا يستطيعون الإفلات منه؟

إن مهمة الحكومة لا تنحصر في أعمال الري والعمران فهناك القضايا الاجتماعية التي لا يجوز أن تهمل في بلد ناشئ كهذا البلد فمن الضروري أن تقدم الحكومة إلى المجلس النيابي بمشاريع من هذا النوع ففائدتها لا تقل عن مشاريع الري والأشغال العامة.

3- حول تجميل بيروت يجب أن يتناول هذا التجميل المدينة نفسها أيضاً (صحيفة بيروت، 9 تموز 1943):

كانت بيروت ولم تزل الدرة الثمينة على هذا الشاطئ اللبناني العربي الجميل، ولكن بيروت رغم مركزها الممتاز لم تمتد إليها يد الإصلاح الحقيقي،...

...، ولم تأخذ بأسباب الصحة العامة التي تقضي بإنشاء مجارير تتفق ومبادئ الفن الحديث، وإذا أنشئت مجارير في بعض أحياء بيروت فهي مجارير تنكرها مبادئ الهندسة الجديدة، وقد دفع المكلف نفقاتها أضعافاً مضاعفة، كما أن بيروت لم تنعم حتى اليوم بمسلخ تتوفر فيه أسباب النظافة، أو بسوق للخضار يستوفى شروطها،...

وإذا أردت أن تدرس بيروت من الوجهة الاجتماعية رأيت الأطفال المتشردين وهم يعدون بالعشرات يطلعون باسمالهم البالية، وكلماتهم النابية، ووقفت وجهاً لوجه مع عشرات الشحاذين الذين يقطعون عليك السبيل، ويرهقونك بطلب الإحسان...

...، وإذا أحببت أن تروح عن نفسك وأن تقصد جنينة عامة زرعت بالأشجار والأزهار حيث الظل الظليل والهواء العليل لما وجدت سوى جنينة واحدة في حي قصي من أحياء البلدة، فهل يجوز أن تظل بيروت حيث هي، وأن تجمد بينما العالم حولها يتململ ويسير قدماً إلى الأمام؟

لقد سر كل بيروتي بالاعتمادات الكبيرة التي أرصدها مؤخراً حضرة رئيس الدولة رئيس الحكومة على تجميل مداخل بيروت، وحمدنا له هذه اليد، إنما المداخل وحدها لا تكفي أن تكون جميلة، فالمدينة بشوارعها وطرقاتها وطراز بنيانها، وتأمين الصحة العامة فيها، ورفع مستواها الاجتماعي من جميع المناحي يجب أن تكون جميلة ويجب أن تصبح بيروت المدينة الأولى على هذا الشاطئ تتوفر فيها أسباب الراحة والعمران، والثغر الضاحك الذي يلفت إليه الأنظار، والحاضرة التي يفخر بها الجميع، ويدلف إليها الجميع.

نحن نحبذ تجميل مداخل بيروت، وإتمام كورنيش النهر، ووصل طريق طرابلس بطريق صيدا مباشرة، ولكن المدينة نفسها يجب أن تجمل أيضاً وأن تحقق الخطط التي وضعت لجعلها مدينة حديثة بكل معنى الكلمة، لا أن تظل هذه الخطط مطوية بعد أن أنفقت البلدية على درسها المبالغ الطائلة، وبعد أن سمعنا عن خطط «دانجه» وغيره الشيء الكثير.

لقد طالبنا غير مرة بإطلاق يد المجلس البلدي في العمل، ومنحه الصلاحيات اللازمة للاضطلاع بتبعاته، ونحن نكرر اليوم ما طالبنا به بالأمس، وننتظر من نائب رئيس بلدية بيروت الجديدة،... المعروف بحب وطنه، والاندفاع في سبيله، ومن هيئة مكتب المجلس البلدي الجديدة، وكلهم من خيرة الشباب...، أن يحققوا الآمال الكبيرة التي يعلقها البيروتيون عليهم، فبيروت يجب أن تحتل مكانتها التي يهيؤها لها مركزها الجغرافي الممتاز، وبيروت يجب أن تتناول يد الإصلاح برغم الحرب وبرغم الصعاب التي تقف في سبيل هذا الإصلاح.

4- ماذا أعدت وزارة التربية في سبيل توحيد المناهج؟ (صحيفة بيروت، 10 آب 1944):

وإذا نحن طلبنا بتوحيد المناهج هنا لا يعني أننا نطلب صب الناشئة اللبنانية في قالب واحد في شتى الدراسات الابتدائية والثانوية والعالية وجعل اللبنانيين آلات متحركة لا شخصية ولا ذاتية لها. كلا ثم كلا ولكننا نطالب أن تكون الروح السائدة في هذه البرامج روحاً وطنية عالية تجعل اللبناني يحترم نفسه ويتقن لغته ويمجد تاريخه ويعرف جغرافية البلد الذي درج فيه ويعمل لخير بلاده ويهدف النفع العام في كل ما يصدر عنه ويكون خلية حية في هذا الكيان اللبناني العتيد.

إن توحيد المناهج في نظرنا لا يصطدم بتنويع التعليم فنحن من القائلين بالمبدأين شرط أن لا يطغى أحدهما على الثاني وهذا أمر متروك للاختصاصيين، كما أسلفنا فأين هم الاختصاصيون الذين سمعنا أن وزارة التربية سوف ترغب إليهم توحيد برامج التعليم في لبنان في شتى مراحله، ولم يبق بيننا وبين افتتاح المدارس والمدارس عندنا متنوعة ومختلفة ومتباينة في وسائلها وغاياتها وألوانها سوى خمسين يوماً؟

إن الاستقلال الصحيح لا يأتي من فوق ولكنه يأتي عن طريق المدارس وخصوصاً الابتدائية منها وليس ثمة مانع يمنع توحيد مناهجها ذلك لأن المدارس الابتدائية هي مرحلة التعليم العام مرحلة تلقن المعلومات التي لا يستغني عنها أياً كان نوع المهنة التي يهدفها الطالب في حياته المقبلة.

إننا نتوجه إلى معالي وزير المعارف وهو من خيرة شبابنا ثقافة وعلماً أن يضع الحجر الأساسي في استقلال لبنان وأن يمسح بشطحة قلم هذه البرامج البالية التي سار عليها التعليم في لبنان منذ خمسة وعشرين عاماً والتي خلفت شعوباً وقبائل فيه بدلاً روح واحدة ومثل عليا واحدة وأن ينكب بواسطة الاختصاصيين في التربية والتعليم، وهم كثيرون بين ظهرانينا على توحيد البرامج لأننا نطالب اليوم وغداً بوحدة التربية والتعليم في لبنان.

لم يبق بيننا وبين افتتاح المدارس في لبنان سوى خمسين يوماً، فماذا أعدت وزارة التربية الوطنية لهذا الموسم العلمي الذي يجني منه لبنان أطيب الثمار وأشهاها وأين الاختصاصيون في التربية ينكبون على درس برامج التعليم وتوحيدها من جهة وتنويعها من جهة ثانية إذ أن وحدة التربية والتعليم في بلد من البلدان لاسيما في مرحلة التعليم الابتدائي هي الركن الأساسي لتكوين أمة حية موحدة الميول موحدة الاتجاهات والغايات.

لقد دخل لبنان في عهد جديد، عهد الاستقلال والحرية، عهد العزة والكرامة. ومن الطبيعي أن تكون حاجات هذا العهد ومقتضياته غير حاجات عهد الانتداب ومقتضياته لاسيما وأن مقاليدنا أصبحت بين أيدينا لا سلطة لأحد علينا ولا سيطرة لأجنبي على اتجاهاتنا القومية ومثلنا العليا الوطنية التي ننشدها ونصبو إليها اليوم وفي الغد.

أجل لماذا هذا التأخر في العمل الجدي ولماذا لا ندعو الاختصاصيين في التربية والتعليم لدرس البرامج وتوحيد المناهج وإيجاد خير السبل لهذا التوحيد مع مراعاة حاجات كل منطقة من المناطق اللبنانية؟

نحن نعترف أن السبيل وعرة والطريق شاق للوصول إلى هذه الغاية ولكن إذا خلصت النية وسدد الأمر إلى أرباب الاختصاص هان كل صعب وذللت كل عقبة.

5- القومية المشتركة ضرورة وطنية، القومية العربية تقوى بالوطنية اللبنانية (صحيفة بيروت، 20 نيسان 1946).

أنا لبناني أعتز بلبنانيتي، وأفاخر بلبنان، وأكبر ما فيه من حب وخير وجمال، وأنا عربي أزهو بأمجاد العرب، ويهتز قلبي طرباً عندما أذكر الانقلاب الروحي الذي قاموا به منذ ألف وثلاثمائة سنة ونيف، والتراث العلمي الذي حفظوه، وحافظوا عليه، ونشروه في جهات العالم الأربع، وأسعد كلما ذكرت دمشق، وبغداد، والقاهرة، وتونس، وغرناطة، وإشبيلية، وأتفاءل بهذه النهضة العربية الجبارة التي بدأت تعم العالم العربي، والتي غذاها موطني لبنان بدمه وروحه وعقله منذ أكثر من مائة سنة، والتي كان اللبنانيون روادها وحملة مشعلها تحت كل كوكب، وفي كل بقعة من بقاع الأرض العربية، فهل أخاف العروبة بعد هذا، هذه العروبة السمحة الرحبة المتوثبة المستيقظة بعد هجوع، والثائرة بعد رقود، والمضيئة بعد خبو، والقائمة على أسس متينة من الحق والعدل والأخوة؟

كلا! أنا لا أخشى هذه العروبة لأن لبنانيتي ليست من هذا النوع الضيق، وليست من هذا النوع الأناني، وليس فيها شيء من الأثرة وحب الذات، بل هي فسيحة كريمة، تسع العالم العربي من الاوقيانوس حتى الخليج، وتسع العرب كلهم سواء أسكنوا بيتاً تخفق فيه الرياح، أم قصراً منيعاً موطد الأركان، أم استقروا فوق جبل تكسوه الثلوج، أم في واحة ظلها ظليل، وتسع العالم أجمع، ولبنانيتي لا تعني الانكماش ضمن حدود هذا الجبل، والعزلة فوق ذرواته، وفي بطون أوديته وشعابها، فاللبناني قد تحرر فكره، فجاب الآفاق، وساح في الأرض، ونزل في كل بلد، وجنى في تطوافه الرأي الطيب، والقيم الخالدة، والمقاييس الروحية الرفيعة، فهل أخاف التعاون مع العرب، وهم أهلي وعشيرتي، وهل أهاب التعاون مع غير العرب، أقرع الفكر بالفكر، واحتك بكل ما هو جديد وجميل ونافع أياً كان مصدره، فأقبل عليه، وأتمثله، ثم أنثره عربياً في كل بلد وصقع؟

إن المصري مستمسك بمصريته لا يحيد عنها، والعراقي والسوري والحجازي واليمني والأردني والفلسطيني قابض كل منهم على قوميته لا يحول عنها، وهم يرحبون بهذه القومية المشتركة التي تجعل منهم أسرة واحدة متراصة متحدة، وتجعل من الأوطان العربية وطناً عربياً كبيراً فنسيح في غرفه المختلفة على هوانا، فلا حدود ولا حواجز، ولا جوازات، نتزاور دون رقيب، ونتحاب وننشئ الحياة دون حسيب، ونتبادل الفكر والفكر لا يستطيع أحد أن يقيده أو أن يحد من انطلاقه فهو يجوب الآفاق ويتنقل منك إليّ ومني إليك كما يشاء فهل نخاف نحن اللبنانيين هذه القومية التي هي بمثابة الوقود لنهضتنا ونحن رواد هذه النهضة والداعون إليها والقائلون بها عندما كانت بقية الأقطار العربية تغط في نومها؟

إن القومية المشتركة هي في عرفنا قومية لبنانية ومصرية وعراقية وسورية وحجازية وأردنية وفلسطينية، تقيدنا ضمن حدودنا، وتطلقنا خارج حدودنا، وتخرجنا من مدى بسيط إلى مدى مشترك ومن صعيد رتيب إلى أصعدة زاخرة بألوان الحياة والنشاط والعمل، فهلا أقبلنا نحن اللبنانيين عليها دون جزع أو خوف لاسيما وقد صدرت عن جلالة الفاروق الذي نكن له نحن اللبنانيين كل حب، ونضمن لجلالته كل احترام وإكبار، واحتضنها بقية الملوك العرب، والرؤساء العرب، والأمراء العرب؟

لندرس هذه القومية المشتركة ومنافعها الجمة والجليلة في وقت واحد بهذا التفكير العلمي الذي عرف عنا، وبهذا المنطق السليم الذي اشتهرنا به قبل أن نقول: «لا!» فكلمة لا هينة وكلمة نعم تجعلنا نحمل تبعاتنا فنمشي في موكب النهضة والخلود.

6- بركة رمضان المبارك (صحيفة بيروت، 28 تموز 1946):

أحب رمضان، وأرحب بمقدمه، وأقدم على الصوم مختاراً طائعاً أصوم لوجه الله، وتأدية لركن من أركان الدين الخمسة.

أنا أعلم أن الكثيرين من أبنائي الشباب وغير الشباب مفطرون، وأعلم أن ثمة من عزم عن الصيام بعد أن تحمله بصبر جميل، وإيمان ثابت سنوات وسنوات، لأنه استيقظ فجأة فألفى نفسه في محيط جديد وبين أصدقاء جدد، فأراد أن يماشي «المودة» وأن يتبع الطريق السهل الممهد.

ماذا يقول أبنائي لو عقدوا النية على الصيام، وعلى أداء هذه الفريضة المقدسة؟ ليقوموا بهذه التجربة يوماً واحداً، وليصدقوا مع الصوم عن الكذب والسرقة والرشوة وشهادة الزور والتزوير والفخفخة الفارغة والإسراف والتبذير والغش، وليقولوا لي بعد هذا اليوم، يوم التجربة كيف حالهم؟

ولكن هل يفعلون وكل منهم يود أن يوسع الخطى نحو الثروة والجاه الزائفين ويود أن ينهب الحياة فإذا به شيخ منهوك في العشرين أو الثلاثين؟

اللهم إني أحمدك على رمضان، وأحمد لرمضان هذه الروح السامية التي تجعلني أرى في لبنان ما لا يراه سواي ممن عميت فيهم البصائر والأبصار!

7- بوسع فلسطين أن تعيش كلبنان موحدة عربية (صحيفة بيروت، 6 حزيران 1948):

خطاب موجه إلى الوسيط الكونت برنادوت.

إذا شاء الكونت برنادوت، وسوف يكون بين ظهرانينا نحن اللبنانيين في يوم ما، أن يلقي نظرة على هذا البلد الصغير لبنان الذي تعيش فيه عناصره المختلفة عيشة توادد وإخاء في ظل جمهورية ديموقراطية ذابت فيها الطوائف المتباينة فأصبحت كلها لبنانية، وتعاونت عناصره كافة تعاوناً منقطع النظير، فأصبح اللبناني أخاً للأرمني، والمسلم أخاً للمسيحي واليهودي، لتبين له أن فلسطين بوسعها أن تعيش كلبنان في ظل الأنظمة الديموقراطية والبرلمانية، فيتعاون العنصران العربي واليهودي على ما فيه خير فلسطين وخير العالم، وبذل أفراد كل فريق جهده ليقوم بقسطه نحو فلسطين.

وإذا لمس الكونت برنادوت من العرب هذا الحذر الذي يبدونه وهم يفاوضونه ويفاوضون مجلس الأمن، ومنظمة الأمم المتحدة، فذلك لأن العرب لم يطمأنوا إلى موقف بعض الدول الكبرى كأميركا وروسيا السوفياتية وفرنسا، ولم يجدوا في (ليك سكسيس) من يستمع إلى قضيتهم كما يجب أن يستمع إليها بتجرد وترفع وسمو، اللهم إلا النزر اليسير.

نحن العرب جادون اليوم في المهادنة شرط ألا يستعمل اليهود أسابيعها الأربعة للتزود بالسلاح، أو لاستقبال لاجئين جدد سوف يتقاطرون على فلسطين من جميع أنحاء المعمورة، حتى إذا حبطت المباحثات الدائرة عاد القتال من جديد بضراوة لا مثيل لها بين العرب واليهود، وطارت شرارة ربما أحرقت العالم، وجعلته أتوناً من نار.

ونحن العرب جادون في أن نعيش مع اليهود الموجودين اليوم في فلسطين كما يعيش المواطن مع مواطنه، وكما يعيش اللبنانيون في لبنان أخواناً يتعاونون على السراء والضراء، ويستمسكون بالقيم الروحية التي شعت منذ مئات السنين في فلسطين شرط أن تقف الهجرة اليهودية وقفاً تاماً، وتجمد حيث هي فقد قبلت فلسطين «الكوتا» اليهودية التي فرضت عليها بجميع الوسائل والأساليب، والعرب غير مستعدين أن يدخلوا فلسطين رجلاً يهودياً واحداً أو امرأة واحدة أو فطيماً واحداً بعد اليوم.

ونحن العرب لا ننكر أن مهمة الكونت برنادوت صعبة جداً، وشائكة جداً، ولكن قبولنا بالمهادنة برغم أن جيوشنا على مرمى مدفع من تل أبيب شاهد عدل على نوايانا الحسنة، واستمساكنا بمبادئ مؤسستنا الوطنية الكبرى، الجامعة العربية، ومبادئ مؤسستنا العالمية، منظمة الأمم المتحدة كما أننا مستعدون أن نسهل مهمته ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

إن الكونت برنادوت، وهو الوسيط الدولي الذي تتجه إليه أنظار العرب واليهود والعالم مدعو لأن يؤدي رسالة السلام والحب كما يجب أن تؤدي بترفع وسمو دون أن يتأثر بسياسة البيت الأبيض أو الكرملين أو الكه دورسي لئلا يقال أن العدل والحق ضاعا بين الناس.

وبينما يقوم الكونت برنادوت بمهمته يجب علينا نحن العرب أن نظل في اتحادنا وتراصنا ويجب أن نكون حذرين كل الحذر، فقضية فلسطين جمعاء ويجب أن تحل هذه القضية مرة واحدة وأخيرة لمئات السنين.

8- هذه الموجة الطائفية (صحيفة بيروت، 11 آذار 1953):

تطغى على لبنان موجة من الطائفية تعيده القهقرى سنوات إلى الوراء بدليل هذا التكتل الطائفي الذي نراه، وبدليل هذه الأحاديث التي نستمع إليها في الأندية والبيوت، وبدليل هذه الانتفاضة الصادقة عند بعضهم، غير الصادقة عند من يتخذون الطائفية مطية لأهوائهم وكفاية لشهواتهم، فهل نحن في لبنان، البلد المتطور الذي يود جاهداً لو يتحرر من أغلال الماضي، أم هل نحن في القرون الوسطى، وفي بلد يؤذيه نور العلم والمعرفة؟

وليست النغمة الطائفية بالنغمة الجديدة علينا، بل هي تعود إلى الظهور بين الفينة والفينة كلما أحست طائفة بأنها مغبونة في مراكز الدولة، وبأنها تعامل معاملة القريب الفقير، فينتهز هذه الفرصة فريق من أبنائها ويستغل هذه الحالة الملتوية لينال مأرباً خاصاً، بينما ينهض فريق المخلصين ويطالب بالإنصاف حرصاً على الكيان الوطني أن يتداعى تحت ضربات المخربين والاستغلاليين من هذا الجانب أو ذاك، ومن واجب المسؤولين لاسيما الكبار فيهم، أن يقيموا ميزان العدل، وأن ينصفوا الجميع، فلا يبقى غابن أو مغبون، ظالم أو مظلوم، بل لبنانيون يتعاونون تعاوناً وثيقاً، ويتنافسون في ميدان الخدمة العامة، فيطمئن المواطن إلى بلده، ولا تمتد أبصاره خارج حدوده أو إلى ما وراء البحار، ولا ترتفع عقيدته بالشكوى من حين إلى آخر، فيعكر صفو المودة بين اللبنانيين، ونحن في أشد الحاجة إلى المودة تشد بعضنا إلى بعض، فالدنيا تسير إلى الأمام، ومقاييسها مقاييس الكفاءة، وقيمها قيم روحية رفيعة وكل انحراف عن هذه القيم وتلك المقاييس لا تحمد مغبته، ولا يوصلنا إلى هذه الحياة الرغيدة التي نتطلع إليها، وإلى سياسة الإنشاء والتعمير التي يجب أن تكون سياسة اللبنانيين.

ليس لبنان وحده في الدنيا البلد الذي تعيش فيه طوائف متعددة، بل ثمة أقطار نظيرة لا تختلف طوائفها فحسب، بل تختلف ألسنتها وعروقها، ومع هذا فهذه الأقطار تنظر إلى أبنائها نظرة واحدة لا تمييز فيها ولا تفضيل، فماذا يمنع العهد الحالي أن يضرب رجاله المسؤولون المثل الأعلى في التجرد وإشاعة العدل بين جميع الطوائف على السواء فلا نسمع هذه الأصوات المنكرة التي نسمعها والعهد الانقلابي عهد اللبنانيين جميعاً، ومن واجب كل منا أن يدعم هذا العهد، وأن يسانده إلى أن يخرج من هذه الفترة الانتقالية الحرجة، فنعطي كل ذي حق حقه، ونتعاون مخلصين على أن نجعل من لبنان بلد الأخوة والتعاون، بلد الإنشاء والتعمير، بلد الأمن والسلام.

 

 

 

//-->