القصّار

 

من الأسر الإسلامية البيروتية واللبنانية والعربية البارزة. تعود بجذورها إلى القبائل العربية التي أسهمت في فتوحات العراق وبلاد الشام والمغرب العربي. وهي من السلالات المنسوبة إلى رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم)، لا سيما إلى الإمام الحسن (رضي الله عنه)، وذلك عن طريق السيد داوود ابن مولانا إدريس الأكبر بن عبد الله المحضِ بن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن (رضي الله عنه). (جامع الدُرر البهية لأنساب القرشيين في البلاد الشامية، ص 99).

اشتهرت الأسرة عبر تاريخها الطويل بعلمائها وأدبائها ووجهائها ومحدِّثيها منهم: المحدّث أبو جريش القصار، ومعاوية بن هشام القصار الذي روى عن الثوري ومالك. كما برز أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني القصار العدل (ت 373 هـ)، وهو من كبار المحدِّثين، وروى عنه الحاكم أبو عبد الله. توفي عن مائة وثلاث سنين.

كما برز من أسرة القصار الكاتب والأديب أبو طاهر أحمد بن محمد بن إبراهيم بن علي القصاري الخوارزمي من سكان بغداد (ت 474هـ). كما عرف الفقيه أبو سعد سليمان بن محمد بن الحسن القصاري (ت 530 هـ). كما عرف الفقيه الشافعي أبو بكر محمد بن أبي سعيد بن محمد البزار القصاري (450-548 هـ). (ابن الأثير: اللُباب في تهذيب الأنساب، جـ3، ص 39-40).

ونظراً لانتشار وشهرة آل القصار، فقد عرفت منطقة مشهورة في مرو باسم «سكة القصارين» «اللُباب، ج3، ص 40».

أسهمت أسرة القصار بالدفاع عن بلاد الشام ضد الغزوات الإفرنجية، لهذا، عندما انتقلت بعض فروع الأسرة من المغرب العربي إلى بلاد الشام، نجدها تتوطن في دمشق وبيروت المحروسة، وتلتقي مع فروعها في بيروت والمنطقة. ومما يدل على قدم آل القصار في بيروت وجود زاوية آل القصار في باطن بيروت منذ القرن الثامن الهجري – الحادي عشر الميلادي، وهي التي بناها جد آل القصار في بيروت الشيخ علي القصار، الذي دفن في إحدى غرف الزاوية. وكان موقعها في سوق البازركان تجاه الباب الغربي للجامع العمري الكبير.

بعد هدم زاوية الشيخ علي القصار في باطن بيروت في عهد الانتداب الفرنسي أنشأ الأستاذ حسن القصار والقاضي الدكتور وفيق القصار مسجد علي القصار في منطقة عائشة بكار عام 1934 والمسجد وقف للشيخ علي القصار، وقد عرفت المنطقة منذ ذاك التاريخ باسم منطقة القصار. ويُنفق على هذا المسجد وعلى جميع وجوهه من قبل الوجيهين البيروتيين الوزير عدنان وشقيقه عادل القصار. والمسجد يعتبر اليوم من المساجد المهمة في بيروت المحروسة.

هذا، وقد أشار الشيخ عبد الغني النابلسي عند زيارته لبيروت المحروسة عامي 1705 و1711م وفي كتابه «التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، ص 41». إلى زاوية القصار في باطن بيروت بقوله: «بأنها كانت نيرة، مرتفعة البنيان، يتجمع فيها الحفاظ ما بين العشائين، يتدارسون بها القرآن الكريم». وقد مدح النابلسي أحد أجداد آل القصار الحاج مصطفى القصار. وقال أنه من أهل المرؤات والكمالات.

ومن الأهمية بمكان القول بأن زاوية الشيخ علي القصار هي من بناء القرن الثامن الهجري، وكان المسلمون من علماء ودعاة وحفظة يجتمعون فيها يومياً للتدارس في القرآن الكريم والحديث الشريف وإنشاد الأناشيد الدينية.

وتشير المصادر التاريخية وفي مقدمتها وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت في القرن التاسع عشر، لا سيما السجل (1259 هـ) إلى العديد من آل القصار منهم على سبيل المثال السادة: حسن القصار، درويش القصار، الشيخ مصطفى القصار وسواهم الكثير.

ومن خلال دراستنا واطلاعنا على سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة في العهد العثماني، فقد لوحظ أن آل القصار كانوا في مقدمة الأسر البيروتية الإسلامية التي وقفت الكثير من الأوقاف الخيرية على شؤون المساجد والزوايا والأعمال الإنسانية والخيرية. وقد أشار السجل (1263 هـ، ص 157-158) والسجل (1291-1293 هـ، ص 144-145) إلى وقف السيد درويش بن علي آغا القصار الكائن في زقاق الشيخ رسلان في محلة السراي في باطن بيروت، وقفاً شرعياً على فقراء السيد أحمد البدوي قدّس سره في محروسة طنطا. وكان متولي الوقف ابن عم الواقف الشيخ مصطفى ابن السيد قاسم القصار.

ويشير السجل (1291-1293 هـ، ص 324) أنه بسبب وفاة السيد حسن ابن الحاج محمد القصار متولي أوقاف الشيخ علي القصار، فقد تم تعيين السيد محمد القصار شقيق المتولي السابق، والسيد محمد كامل القصار أكبر أولاد السيد حسن القصار المتوفى متوليين على وقف زاوية القصار، بشهادة العالم الفاضل الشيخ عبد الباسط أفندي بن علي الفاخوري. وما يزال هذا الوقف ساري المفعول على جامع القصار، غير أن المتولين تغيروا بتغير الزمن.

هذا، وقد برز الكثير من آل القصار في القرنين التاسع عشر والعشرين، وفي القرن الحادي والعشرين منهم على سبيل المثال: الأديب عبد الرحمن القصار، الشيخ فضل القصار مؤلف  مسرحية «عاقبة الظلم» عام 1879، والطبيب الدكتور بشير القصار الذي تلقى تعليمه في الكلية السورية الإنجيلية في بيروت (الجامعة الأميركية اليوم). وهو عضو جمعية بيروت الإصلاحية عام 1913. تولى إدارة الكلية الإسلامية الأزهرية في عهد صاحبها العلامة الشيخ أحمد عباس الأزهري، من بعد وفاته عام 1927، وقد شهدت الكلية في عهده تطوراً بارزاً، ونهضة علمية لافتة، ثم تولى التدريس والتفتيش في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت إلى وفاته عام 1935. له كُتيب تحت عنوان «التاريخ العام» ويعتبر الدكتور بشير القصار من أهم أطباء بيروت المحروسة، ومن رجال التربية والتعليم والطب البارزين.

كما برز من الأسرة الدكتور وفيق القصار رئيس مجلس شورى الدولة وأحد كبار رجال القانون السابقين، وعميد مؤسس لكلية الحقوق في الجامعة اللبنانية. وقد أغنى المكتبة اللبنانية والعربية بمؤلفاته وإسهاماته الحقوقية والقانونية، لهذا، فقد بادرت كلية الحقوق والعلوم السياسية (الفرع الأول) في الجامعة اللبنانية في عام 2014 إلى تكريمه وإطلاق اسمه على مكتبة حقوقية مهمة عرفت باسم «مكتبة وفيق القصار»، كما تولى المشار إليه فترة منصب مدير عام الأوقاف الإسلامية.

وفي التاريخ الحديث والمعاصر برز نجله معالي الوزير السيد عدنان وفيق القصار أحد كبار المصرفيين في لبنان والعالم العربي، رئيس سابق لغرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان، ورئيس اتحاد غرف التجارة العربية ورئيس غرفة التجارة الدولية سابقاً. كما تولى وزارة الصناعة في حكومة الرئيس عمر كرامي بين عامي 2004-2005، رئيس مصرف «فرنسبنك» في بيروت. له إسهامات اقتصادية ومالية وخيرية وإنسانية عديدة. كما برز شقيقه السيد عادل القصار نائب رئيس مجلس إدارة مصرف «فرنسبنك». وهو يعتبر أيضاً أحد الوجوه الاقتصادية والمالية والمصرفية في بيروت ولبنان والعالم العربي. كما برز رجل الأعمال نديم القصار.

هذا، وقد برز من آل القصار أيضاً بعض العاملين في مختلف ميادين المجتمع منهم السادة: إبراهيم، أحمد، تيسير، الإعلامي خالد القصار، الشيخ خضر القصار ونجله الملازم الأول في قوى الأمن الداخلي تمام خضر القصار، راغب، رفيق، زياد، سامي، سمير، سهيل القصار أحد العاملين في الحقل السياسي والاجتماعي، شحاده، صلاح الدين، طلال، عبد الرحمن، عبد اللطيف، عصام، غسان، كمال، محمد، محمود، منيب، نادر، نبيل، نديم، هاني، يوسف القصار وسواهم الكثير.

هذا، وقد لاحظنا من خلال دراستنا لجذور الأسر البيروتية أن بيروت المحروسة شهدت أسرة مسيحية من آل القصار عرف منها السادة: انطوان، بيار، جان، جميل، جورج، حبيب، ريمون، لطف الله، نقولا، وديع، يوسف قصار وسواهم.

كما لوحظ وجود أسرة أرمنية في بيروت عرفت باسم قصارجيان عرف منها نائب بيروت أغوب ستراك قصارجبان عضو كتلة تيار المستقبل مواليد برج حمود (1946-   ). كما برز السادة: جوزيف، ديكران، روبير، ستراك، كريكور، ليون، هاروتيون، هاكوب، هنري، وسواهم. كما عرفت في بيروت والمناطق اللبنانية أسرة قصارجي، منها النائب جورج عابدين قصارجي (مواليد زحلة 1938-   ) أحد رواد الصناعة في بيروت ولبنان والعالم العربي.

القَصَّار لغة وإصطلاحاً: المبيِّضُ للثِّياب، وهو الذي يُهَيِّئُ النسيجَ بعد نَسجه بِبَلِّه ودقِّه بالقَصَرَة (وتعني المدقة).

 

الرئيس بشارة الخوري مع رجل القانون د. وفيق القصار مؤسس كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية بلباسه الجامعي