محرّم

تبوأوا مناصب عسكرية وسياسية وإجتماعية وإقتصادية ونال جد الأسرة لقب الباشوية

  من الأسر الإسلامية البيروتية واللبنانية والعربية، تعود بجذورها إلى القبائل العربية التي أسهمت في فتوحات مصر والمغرب العربي وبلاد الشام، واستقرت الأسرة لقرون عديدة في مصر لاسيما في القاهرة والإسكندرية. وفي العهد العثماني تبوأت الأسرة مناصب عسكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية على غاية من الأهمية، كما نال جد الأسرة الأعلى في مصر لقب الباشوية، ونال عدة أفراد من الأسرة لقب بك، وقد أُطلق على منطقة بمجملها في قلب مدينة الإسكندرية منطقة «محرم بيه».

 هذا، وقد أشار الأمير حيدر الشهابي في كتابه «الغُرر الحِسان» جـ3، ص (727) في معرض حديثه عن أحداث عام 1821، من أن الأمير بشير الشهابي الثاني الكبير، قد سافر إلى مصر لمقابلة محمد علي باشا، وعند وصول سفينته إلى دمياط كان في استقباله محرم بك صهر حسن آغا متسلم مدينة دمياط، وكان هذا الرجل من أكبر عمال محمد علي باشا.

كما برز في مصر الشاعر والصحافي أحمد محرم (1877-1945) نشأ بدمهنور وتوفي فيها، له «ديوان محرم». ومن المآثر اللافتة في تاريخ أسرة محرم في بيروت إسهامها في تأسيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت عام (1295هـ-1878م)، بواسطة السيدين حسن بك محرم ومصباح بك محرم، وقد تبرعا بما جاءت عليهما قريحتهما لإطلاق جمعية المقاصد.

 هذا، وقد شهدت بيروت في عهد الحكم المصري بين أعوام (1831-1840) بروزاً لآل محرم، على اعتبار أن القائد إبراهيم باشا بن محمد علي باشا والي مصر، قد اعتمد كثيراً على الأسر البيروتية ذات الأصول المصرية. وقد أشارت وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت في القرن التاسع عشر لاسيما السجل (1259هـ-1843م) إلى العديد من آل محرم ممن توطنوا في باطن بيروت المحروسة منهم السادة: الحاج سيد أحمد محرم الذي كان يملك أراضٍ في مزرعة المصيطبة، والسيد حسن محرم والسيد ذيب بن عبد الرحمن محرم وكانا يسكنان في باطن بيروت في منتصف القرن التاسع عشر. كما أشارت الوثائق إلى السيد محمد محرم، وإلى منزل آل محرم في باطن بيروت، وإلى الشيخ محمد أديب بن محمد محرم البيروتي إمام زاوية المغاربة في القرن التاسع عشر. كما عرف من الأسرة السيد علي زهرة ابن السيد عمر محرم صاحب القصر المشهور في مزرعة القنطاري، كما عرف من الأسرة السيد محمد بن علي محرم المتوفى عام 1813م والمدفون في جبانة المصلى خارج بيروت. وعرف أيضاً السيد عمر ابن السيد محمد محرم أبو زرقوط. كما عرف السيد أحمد بن علي محرم والسيد عبد الله محرم.

 ومن الملاحظ، أنه بعد أن تولى الشيخ عبد القادر قباني رئاسة المقاصد لمدة سنة واحدة (1878-1879)، انتخب حسن بك محرم كاتب مجلس إدارة لواء بيروت (باش كاتب مجلس تمييز لواء بيروت كما ورد في السجل 1293-1295هـ، ص 54) لرئاسة جمعية المقاصد، وذلك للفترة الممتدة بين أعوام (1879-1882) حيث شهدت الجمعية في عهده افتتاح عدة مدارس للبنات وللبنين، كما شهدت تطوراً بارزاً. كما استطاع أن يضم عدة عقارات للجمعية باعتبارها من الأوقاف الإسلامية المقاصدية، ومن بينها وقف السيدة بدرة بنت مصطفى القباني هو بمثابة دكان بالقرب من زاوية القصار. وفي 18 من شهر ذي القعدة عام 1297هـ عين القاضي الشرعي «حسن محرم بك رئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت ابن عزتلو إسماعيل بك متولياً على الوقف، وذلك بطريق الحسبة، وأذنه بتعاطي مصالحه» (السجل 1297-1298هـ، ص 122).

 وأشار السجل (1297-1298هـ) صحيفة (146) إلى معلومات على غاية من الأهمية، تتضمن كيفية تعيين رفعتلو حسن محرم بك رئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت ناظراً على جميع جبانات بيروت باعتباره «مستقيماً عفيفاً صالحاً» وأذنه الحاكم الشرعي بأن يحافظ عليها، ويصرف غلتها في ما عينه واقفوها، ويتعهدها بالإصلاح والترميم وغيرهما. وهكذا يلاحظ بأن إناطة أوقاف الجبانات الإسلامية في بيروت لجمعية المقاصد إنما كانت في عهد رئيسها حسن محرم بك الذي كان له الفضل في السعي مع والي بيروت باتخاذ القرار الشرعي اللازم بهذا الخصوص، بهدف تطويره ومساعدة جمعية المقاصد على تنمية مداخيلها. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الجبانات الإسلامية في بيروت في تولية جمعية المقاصد وفي عهدتها.

 ومما يلاحظ أيضاً، أن السجل (1297-1298هـ) صحيفة (141) وفي معرض تعريفه برفعتلو حسن محرم بك، يُعرف به بأنه ابن عزتلو إسماعيل محرم بك، مما يدل بأن أجداد وآباء وأبناء آل محرم في العهد العثماني، قد تولوا مناصب وزارية وقيادية، كما نالوا فرمانات الباشوية والبكوية، علماً أن حسن محرم بك، كان قد تولى مناصب إدارية رفيعة، ومن بينها منصب كاتب إدارة سنجق بيروت بين عامي 1882-1883. ونظراً لإسهامات حسن محرم بك الخيرية والإنسانية والتربوية والإدارية، ونظراً للوجاهة التي كان يتمتع بها هو وأسرته، فقد نظم الشاعر الشيخ أبي الحسن قاسم الكستي (1840-1909) قصيدة في مدحه.

 واشتهر في بيروت المحروسة الوَرعُ الصالح التقي الشيخ أديب محرّم صاحب السجادة القادرية مواليد بيروت المحروسة (1788-1878) توفي في شهر آب سنة 1878م وله (90) سنة. قضى في خدمة المحكمة الشرعية (40) سنة، وأقام إماماً في مسجد الحمراء (50) سنة. وقد أذّن بوفاته في جميع مآذن بيروت المحروسة وشيع بجمهور من كل الطوائف، ودفن بجبانة المصلى، وألبس ولده الشيخ مصطفى محرم عمامته إشارة لتثبيته بخدمة الطريقة القادرية.

هذا، وقد برز في بيروت المحروسة السيد محمد مصباح محرم بن السيد ذيب محرم المشار إليه وشهرته مصباح محرم (1854-1931) من مواليد بيروت المحروسة في باطن بيروت في محلة الشيخ رسلان بالقرب من مبنى بلدية بيروت اليوم. وهو أحد مؤسسي جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت المحروسة، والأمر الملاحظ، إن أسرة محرم بالإضافة إلى قرابتها لمفتي بيروت الشيخ أحمد الأغر والكثير من الأسر البيروتية، فإن محمد باشا المخزومي هو صهر محمد مصباح محرم، وكان قد تزوج عام 1899 من السيدة عائشة شقيقة محمد مصباح محرم (مصباح محرم).

 ومن المعروف أن مصباح محرم تولى مناصب إدارية عديدة في العهد العثماني، منها رئيس كتّاب محكمة بداية بيروت الشرعية. هذا وقد قال الحصني عن محمد مصباح محرّم: «شغل كثيراً من وظائف العدلية، وهو من قدماء رجالها حتى أصبح في عصرنا قاموس القوانين وشيخ الحقوقيين، تقلد رئاسة محاكم الاستئناف الحقوقية والجزائية إلى أن تولى رئاسة محكمة التمييز، وعُيِّن أستاذاً في معهد الحقوق... امتاز على أقرانه في سداد الرأي والحزم والعزم والصدق والأمانة في جميع أقواله وأحكامه، وهو مثال العدل والإنصاف. عرف باقتداره للأخذ بيد المظلوم. وله آثار نفيسة في علم الحقوق وشِعر لطيف».

 وذكر خير الدين الزركلي أن محمد مصباح محرّم انتخب مبعوثاً عن أهل بيروت سنة 1328هـ في مجلس المبعوثان (النواب) العثماني. وذكر من مؤلفات مصباح محرّم «الصكوك الحقوقية» و»نتيجة المعلومات في القضاء والمحاكمات» و»المعلومات العدلية» وديوان شعر.

 ومن منجزات محمد مصباح محرّم أن كلمة «الكاتب العدل» وضعت لأول مرة في القانون المؤرخ في 15 تشرين الأول سنة 1329هـ مالية الذي بحث في وظائف كُتَّاب العدل. وقد أقر هذه الكلمة مجلس النواب العثماني بناء على اقتراح تقدم إليه القانوني الكبير محمد مصباح محرّم، أما القانون القديم الصادر في تموز سنة 1295هـ مالية فكان يطلق على «الكاتب العدل» اسم «محرر المقاولات» وقد اقتبس مصباح محرّم التسمية المتقدمة مما جاء في الآية الكريمة رقم (282) من سورة البقرة [يا أيها الذين امنوا إذا تداينتم بدين إلى جل مُسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل].

واستمر أفراد الأسرة يقومون في القرن العشرين بدور بارز في الحياة البيروتية، فقد أصبح شفيق محرم مستشاراً لرئيس الجمهورية الرئيس الياس سركيس (1976-1982) كما أصبح نائباً لحاكم مصرف لبنان. وبرز من الأسرة في بيروت فضيلة الشيخ الدكتور خالد محرم أمين سر المعهد العالي للدراسات الإسلامية والأستاذ المحاضر في المعهد. كما عرف من أسرة محرم أيضاً السادة: إبراهيم، رفيق، رفيق صالح، سمير شفيق، شفيق صالح، صالح محمد، عبد الرحمن، محمد، مروان شفيق، مروان مصطفى، مصطفى عبد الرحمن محرم وسواهم.

ومحرم لغة هو الشهر الأول من أشهر السنة العربية أو الهجرية، والأول من محرم هو رأس السنة الهجرية، وهو من الأشهر الحرم. كما أن الحرم تطلق على ما حرمه الله فهو مُحرّم.

//-->