الصمد

قال تعالى: قل هو الله أحد "1" الله الصمد "2" (سورة الإخلاص)

ما معنى الصمد؟

الصمد هو المعنى الجامع، الذي يدخل فيه مطالب كل موجود، فهو الصمد الذي تصمد إليه جميع المخلوقات بالافتقار والحاجة، ويفزع إليه العالم بأسره، وهو الذي كمل في علمه، وحكمته وحلمه وقدرته، وعظمته ورحمته، فهو كامل الصفات، المقصود من المخلوقات في كل المطالب والحاجات. والذي يعيش في رياض القرآن يجد أن الله هو المقصود لكل قاصد، وهو الذي يعطي لكل شيء حقه، نطق به أم لم ينطق به.

ويقول الحق سبحانه: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبةٍ من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين "47" (سورة الأنبياء)

من هذه الآية نعلم أن صمدية الله هي عطاؤه، وعطاؤه محوط بعدله، وقد يكون العطاء ربوبياً أو إلهياً، فيقول الحق سبحانه: كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً "20" (سورة الإسراء)

أما عطاء الألوهية فهو للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فالقرآن الكريم يقول: ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً وذكر للمتقين "48" الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون "49" وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون "50" ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين "51" (سورة الأنبياء)
ويحكي لنا الحق سبحانه أمر إبراهيم عليه السلام مع قومه وكيف نجاه من كيدهم، فيقول تعالى: إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون "52" قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين "53" قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبينٍ "54" قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين "55" قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين "56" وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين "57" فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون "58" قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين "59" قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم "60" قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون "61" قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم "62" قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون "63" فرجعوا إلي أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون "64" ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون "65" قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم "66" أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون "67" قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين "68" قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم "96" وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين "70" (سورة الأنبياء)

وتتوالى عطاءات الله لمن قصدوه وحده بالعبادة والتوجه، فيقول تعالى: ونجيناه ولوطاً إلي الأرض التي باركنا فيها للعالمين "71" ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين "72" وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين "73" ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوءٍ فاسقين "74" وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين "75"} (سورة الأنبياء)
{ونوحاً إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم "76" ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوءٍ فأغرقناهم أجمعين "77" (سورة الأنبياء)

وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين "78" ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين "79" وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون "80" ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلي الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين "81" ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك وكنا لهم حافظين "82" (سورة الأنبياء)

وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين "83" فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرٍ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين "84" وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين "85" وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين "86" وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن تقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين "87" فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين "88" وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين "89" فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين "90" والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين "91" إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون "92" (سورة الأنبياء)

ثم يقول الحق سبحانه: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون "105" إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين "106" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "107" قل إنما يوحي إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون "108" فإن تولوا فقل آذنتكم على سواءٍ وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون "109" إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون "110" وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلي حين "111" قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون :112" (سورة الأنبياء).

والمعايش لكتاب الله يلمس أن العطاءات الربانية وعطاءات الألوهية لا حصر لها ولا عدد، فكم من نفس ولدت في لحظة وماتت في لحظة، ورزقت في لحظة، وافتقرت في لحظة، وكم من نفس شفيت من مرض، وكم من نفس مرضت من شفاء، وكم من إنسان أعزه الله، وكم من إنسان أذله الله. وكم من ممالك تطاولت، وكم من ملوكٍ تلاشوا، وكم من سائل يسأل. كل هذه القضايا تنطلق من عطاء الربوبية لكل الناس، فعطاء الألوهية الذي اختصه الله لمن آمن به توحيداً وتعبداً وسلوكاً، فإذا نظرنا إلي عدد مطلوب الخلائق في كل لحظة من لحظات الحياة لنجد أنه يعطي الكل في لحظة، كما يحاسب الكل في ساعة، وساعة الله يعلمها هو.

[ عودة للقائمة الرئيسيّة ]

//-->