الموجز في قواعد اللغة العربية

التمييز

اسم نكرة يبين المراد من اسم سابق يصْدق - لولا تحديده بالتمييز - على أشياء كثيرة، مثل: (عندي ثلاثون كتاباً أَنا بها قريرٌ عيناً).

فـ(كتاباً) فسرت المراد بالثلاثين التي تصلح لولا التمييز لكل المعدودات، و(عيناً) أوضحت وحددت المراد بالذي (قرَّ) مني وهو العين، ولولاه ما عرف السامع هل أنا قرير بها صدراً أو نفساً أو خاطراً:

ويسمى النوع الأول بتمييز الذات أَو التمييز الملفوظ، والثاني يعرف بتمييز النسبة أَو التمييز الملحوظ:

أ- أما تمييز الذات فيفسر المبهم من:

1- الأَعداد وكناياتها مثل: (في القاعة عشرون طالباً أَمامهم كذا كتاباً).

2- وأسماءِ المقادير ((مساحة أَو وزناً أو كيلاً أو مقياساً)) مثل: بادلني بكل قصبة بناءً هكتاراً حقلاً، خذ رطلاً زيتاً و(لتراً) حليباً مع مدِّ قمحاً، ثوبك أربع أذرع حريراً.

3- وأشباه المقادير على أَنواعها: فمشبه المساحة مثل (ما في السماء قدرُ راحة سحاباً)، ومشبه الوزن مثل (ما فيه مثقال ذرةٍ عقلاً)، ومشبه الكيل مثل: (خبأَت جرةً عسلاً وصفيحةً دبساً وبرميلاً زيتاً)، ومشبه المقياس مثل: (وقَّعنا مَدَّ يدك عريضةً).

4- وما جرى مجرى المقادير مثل (أَليس عندي مثل ما عندك ذهباً؟) و(هذه غلتي وعندي غيرُها ثمراً).

ويلحق بذلك فرع التمييز مثل قولك (في الخزانة سوار ذهباً وساعة فضة وحُلَّةٌ جوخاً).

ولك أَن تنصب تمييز الذات بأَنواعه كلها (عدا الأعداد) أو تجره بـ(من) أو تضيف ما قبله إليه فتقول: في الخزانة سوارٌ فضةً = سوارُ فضةٍ (تضيف ما قبله إليه) = سوارٌ من فضة، فإن كان ما قبله مضافاً إليه اقتصرت على النصب أَو الجر مثل (أعطني قدر شبر خيطاً: قدر شبر من خيط).

ب- وأما تمييز النسبة، فما كان منه محولاً عن فاعل أَو مفعول أو مبتدأ وجب نصبه مثل: طب نفساً، وكفى بعقلك رادعاً، فجّرنا الأَرض عيوناً، أَنا أَكثر مالاًانتقل إلى الحاشية.

وما كان غير محول كأَكثر تراكيب التعجب، جاز نصبه وجره بـ(من) مثل (أنعم به فارساً = من فارسٍ، ما أَعظمك بطلاً = من بطل، لله در خالدٍ قائداً = من قائد).

تمييز العدد وكناياته:

أ- الأعداد من (3- 9) تؤنث مع المعدود المذكر، وتذكر مع المعدود المؤنث في جميع حالاتها مفردة أو مركبة أو معطوفاً عليها فتقول: (في الخزانة ست مجلات وسبعة أقلام، وثلاثة عشر كتاباً وخمس عشرة رسالةً، وثمانيةٌ وستون دفتراً وأربعٌ وخمسون بطاقةً). أًما العدد -10) فله حالان: يوافق معدوده إذا تركب مع غيره كما رأيت (ثلاثة عشر كتاباً، خمس عشرة رسالة) ويخالفه مفرداً مثل: (نجح عشرة طلاب وعشر طالبات) والواحد والاثنان يوافقان المعدود في جميع الحالات. وكذلك ما يصاغ من العدد على وزن (فاعل) نقول: (هذا اليومُ السابعَ عشرَ من رجبانتقل إلى الحاشية وغداً الليلةُ التاسعةَ عشرةَ).

أَما تمييز الأعداد فيكون جمعاً مجروراً بين (3- 10). ومفرداً منصوباً بين (11- 99) كما ورد في الأمثلة السابقة، ومفرداً مجروراً مع (100 و1000) تقول: (ثمن كل مئة قلم أَلفُ قرش).

هذا ويختار قراءة الأَعداد ابتداءً من المرتبة الصغرى فصاعداً، فتقرأ العدد ((1945)) قائلاً: كان الجلاءُ سنة خمس وأَربعين وتسعمئة وأَلف.

ب- يكنى عن العدد بكلمات ثلاث: كذا، كأَيِّنْ، كم.

أَما كذا فتستعمل إخباراً عن العدد مطلقاً كثيراً أو قليلاً تقول: (عندي كذا كتاباً. ورأيت كذا وكذا قريةً). وتمييزها مفرد منصوب أبداً وهي مبنية يختلف إعرابها بحسب موقعها في الكلام، ففي الجملة الأُولى هنا هي مبدأ، وفي الثانية مفعول به.

2- كأَيِّنْ (كأَيٍّ)انتقل إلى الحاشية مبنية على السكون وهي خبرية تدل على الكثير فقط، ولها صدر الكلام وتختص بالماضي، ومحلها من الإعراب يختلف باختلاف ما بعدها فتكون مفعولاً به مثل (كأًين من كتابٍ قرأت)، أَو مفعولاً مطلقاً مثل (كأَين من مرة نصحتك!) وتكون مبتدأ مثل: (كأَين من خير في التزام الاستقامة!) ولا يكون خبرها إلا جملة أو شبه جملة.

أما تمييزها فمفرد مجرور بـ((من)) دائماً وسمع نصبه قليلاً في الشعر.

3- ((كم)) لها استعمالان: استفهامية وخبرية:

فأما الاستفهامية فيستفهم بها عن عدد يراد معرفته مثل: (كم ديناراً عندك؟) ولها صدر الكلام، ويتصل بها تمييزها، فإن فصل فبالظرف والجار والمجرور غالباً مثل: (كم في المجلس عاقلاً؟)

وتمييزها مفرد منصوب في جميع الحالات كما رأيتانتقل إلى الحاشية.

وهي مبنية دائماً ويختلف إعرابها على حسب جملتها، فهي مبتدأ في قولك (كم ديناراً عندك؟). وخبر في (كم مالك؟) و(كم سطراً كان خطابك؟). ومفعول به في (كم كتاباً قرأت؟). ومفعول مطلق في (كم مرةً قرأْت درسك)، ومفعول فيه في (كم ليلةً سهرت؟).

وأما (كم) الخبرية فلا يسأَل بها عن شيءِ وإِنما يخبر بها عن الكثرة وتكون بمعنى (كثير) ولا تستعمل إلا في الإِخبار عما مضى مثل: (إِنْ أُخفق الآن فكم مرةٍ نجحت!) ولها الصدارة كأختها الاستفهامية، لا يتقدم عليهما إِلا المضاف أَو الجار مثل (بكم عبرةٍ تمرُّ فلا تتعظ!) (جثةَ كم رجل واريت!) وإِعرابها كإِعراب الاستفهامية تماماً.

وتمييز (كم) الخبرية نكرة مجرورة بالإضافة إليها أَو بـ(من)، وهي مفردة غالباً: (كم مغرور غرت الدنيا!، كم من مغرور... كم من مغرورين..).

فإِذا فصل فاصل بينها وبين مميزها وجب نصبه أَو جره بـ(من)، تقول في (كم عبرة في الدنيا!) إِذا فصلت: (كم في الدنيا عبرةً = من عبرة). وتفترق (كم) الاستفهامية و(كم) الخبرية عدا ما تقدم من الفروق في المعنى وفي التمييز، في أَنك إِذا أَبدلت من الاستفهامية وجب أن يقترن البدل بهمزة الاستفهام مثل: (كم كتاباً قرأْت؟ أَعشرين أَم ثلاثين؟)، أَما الخبرية فلا تقترن بشيء تقول: (كم مرةٍ وعظتك، عشرين، مئة، أَلفاً!).

ملاحظات ثلاث:

1- التمييز نكرة دائماً، فإن أَتى معرفة لفظاً فهو نكرة معنى مثل: (طبت النفسَ ببيع الدار). (أَلِم أَخوك رأْسه)، فـ(النفس) و(رأْسَه) معرفتان لفظاً نكرتان معنى إِذ هما بمنزلة (طبت نفساً، أَلم رأْساً).

2- مرتبة التمييز التأْخر عن المميز الذي يعتبر الناصب له فلا يتقدمه ولم يسمع إلا نادراً في الشعر تقدم تمييز النسبة على فعله المتصرف مثل:

وداعي المنون ينادي جهارا

اَنفساً تطيب بنيل المنى

أَما إِذا كان التمييز ملفوظاً، أَو ملحوظاً وعامله جامد فلا يتقدم البتة لا في ضرورة ولا في غيرها.

3- يفرقون غالباً بين الحال والتمييز بأَن الحال على معنى (في)، والتمييز على معنى (من)، فمعنى (جئت راكباً): (جئت في ركوبي)، ومعنى (لله دره فارساً، بعت ثلاثة عشر كتاباً): (لله دره من فارس، بعت ثلاثة عشر من الكتب).

الشواهد:

(أ)

1- {سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ}

[الحاقة: 69/7]

2- {قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ}

[المؤمنين: 23/112]

3- {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً}

[الكهف: 18/18]

4- {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}

[آل عمران: 3/146]

5- {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ}

[البقرة: 2/130]

6- {وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاّ قَلِيلاً وَكُنّا نَحْنُ الْوارِثِينَ}

[القصص: 28/58]

7- {قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيّاً}

[مريم: 19/3]

سوداً كخافية الغراب الأَسحم

8- فيها اثنتان وأَربعون حلوبةً

عنترة

وأَندى العالمين بطونَ راح

9- أَلستم خيرَ من ركب المطايا

جرير

صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو

10- رأَيتك لما أَن عرفت وجوهنا

رشيد اليشكري

زيادته أَو نقصه في التكلم

11- وكائنْ ترى من صامت لك معجب

زهير

بانت لتحزننا عَفاره

12- يا جارتا ما أَنت جاره!

الأعشى

(ب)

في حدِّه الحدُّ بين الجد واللعب،

13- السيف أصدق أنباءً من الكتب

جلودهم قبل نضج التين والعنب

ستون ألفاً كآساد الشرى نضجت

أبو تمام

ما بالها قطعت في ربع دينار

14- يدٌ بخمس مئين عسجداً وُديت

ذل الخيانة فافهم حكمة الباري)

(عز الأَمانة أَغلاها وأَرخصها

المعري

وجاهلٍ جاهل تلقاه مرزوقا

15- كم عاقلٍ عاقل أَعيَتْ مذاهبه

آلماً حُم يسره بعد عسر؟

16- اطرد اليأْس بالرجاءِ فكأْيِنْ

وداعي المنون ينادي جهارا؟

17- أَنفساً تطيب بنيل المنى


عودة إلى موضع الحاشية الأصل: طابت نفسك وكفى برادع عقلك. ومعلوم أن المجرور بعد كفى فاعل في الأصل. واصل المثالين الباقيين فجرنا عيون الأرض، مالي أكثر من مالك.
وسام التفضيل ينصب مميزه حسب القاعدة إن لم يكن من جنس ما قبله مثل (أنت أفضل رأياً)، فإن كان من جنسه وجبت إضافته إليه: (أنت أفضل كاتب) إلا إذا أضيف إلى غير تمييزه مثل (أنت أكرم الرفاق معيناً).

عودة إلى موضع الحاشية إلا إذا كان التمييز كلمة (مئة) فتبقى معها مفردة في الأكثر الغالب تقول: (خمسمئة جندي في الميدان) وقد سمع جمعها جمع سلامة قليلاً فقيل: خمس مئين، خمس مئات، وإلا أسماء الجموع أو أسماء الأجناس فتجر بمن، تقول: سبعة من الطير وخمسة من القوم. وقل أن تضاف مثل (تسعة رهط).

عودة إلى موضع الحاشية وردت قليلاً مخففة في الشعر هكذا: (كائن، كأينْ).

عودة إلى موضع الحاشية جوزوا جره على ضعف إذا جرت هي بالحرف مثل (بكم دينارٍ اشتريت هذا؟) وأضعف من هذا (بكم من دينار..؟) والنصب هو الوجه في جميع ذلك.